#بلا_مجاملة *د. هاشم غرايبه*
إثر العملية البطولية للمقاومة، وخشية من الغرب على قلعته المحصنة (الكيان اللقيط) كشّر عن أنيابه، حينما منحه دعمه المطلق، ليقتل ويدمر في غزة كما يشاء، فأسقط بذلك وهمُ تعليق الآمال على ما يسمى بالمجتمع الدولي، وانتظار عدالته لحل قضية فلسطين.
واقعيا، ليس هنالك من مجتمع دولي، بل هو رأي أصحاب القرار في أمريكا وشركائها الأوروبيين، لأنهم يوجهون شعوبهم كما يشاءون، حيث أن هذه الشعوب أصبحت قطعانا مستهلكة لما تبثه الشاشات، ولا تبذل أي جهد في البحث فيما إن كان الإعلام صادقا أم مضللا. .
فالصراع ذاته طوال التاريخ لم يتغير، بل تغيرت التسميات، فهو ذاته تجمع الدول الإستعمارية الأوروبية الذي كان معروفا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بحروبه الطامعة في نهب الشعوب الفقيرة، وقبل ذلك كانت المسميات: الفرنجة والرومان والإغريق.
في القرن العشرين، وبعد أن نجح هؤلاء في كسر شوكة الدولة الإسلامية، التي كانت حامية لديار العرب طوال ثلاثة عشر قرنا، قسموا هذه الديار وأقاموا عليها أنظمة منضبطة باتباع نهجهم العلماني، لمنع العودة الى الدولة الإسلامية الجامعة.
وطوال القرن الماضي بذلت هذه الأنظمة جهدها، وبالأخص في مجال المناهج التعليمية، منها تسمية الحملات الاستعمارية للبحث عن الكنوز الأثرية والموارد الطبيعية، سميت حملات استكشافية هدفها علمي بحثي.
فهل كانت أقطار العالم القديم مجهولة لأهلها حتى يعرّفهم الأوروبيون بها!؟.
أم كانوا لا يعرفون تاريخ أجدادهم حتى يأتي المستشرقون الأوروبين ليدلوهم على آثارهم!؟.
بل كانت تآمرا من الأنظمة المرتشية لتسليمهم تلك الخيرات، تحت زعم التنقيب والبحث.
كل ما سبق معروف للجاهل قبل المثقف، وما دفعني الى التذكير به هو محاولات بعض المثقفين التعامي عنه أو التزوير والتضليل لقلب الحقائق، لغايات في نفوسهم خبيثة، وهؤلاء هم إحدى فئات ثلاث تشكلت خلال القرن المنصرم، من غير أي تنسيق بينها، كونها متشاكسة متباغضة بسبب تعارض مصالحها، وهدفها واضح معلن، إلا أن غايتها واحدة، وتتحدد بممانعة منهج الله، بصد الأمة عنه، وهو ذاته هدف المنافقين طوال التاريخ.
الفئة الأولى: هي الأنظمة السياسية العربية، وأتباعها وأزلامها، فالأنظمة تخشى قيام دولة إسلامية عادلة، لأنه لن يكون لهم فرصة في التنافس مع المخلصين لأمتهم، بعد أن أثبتوا التزامهم بتوجيهات الغرب، ليس عن عمالة أو خيانة بالضرورة، بل لأن شهادة حسن السلوك من الغرب هي عماد بقائهم في الحكم، لذلك فصراعهم لمنع العودة الى الوحدة تحت راية الدولة الإسلامية صراع للبقاء.
وأما الأعوان والأتباع فهم يشكلون أعمدة الأنظمة الداخلية، ليس عن قناعة وإعجاب، إنما لكونهم مفرغين من العقيدة أصلا ، فهم عبد للمعطي أياً كان، لذلك فقوامهم هو تلك الفئة من الطامعين في أعطيات الحكام، والطامحين الى الوصول الى المواقع العليا في الدولة.
الفئة الثانية: هم ممن نالوا حظا من الدنيا أشغلهم عن طلب رضا الله، وأصبحت لهم مصالح مادية يخشون أن تنتقص منها عدالة الإسلام، وامتيازات يخشون فقدانها إن طبقت المساواة، وتشكل رأسمالية الغرب مثلهم الأعلى، ويعتقدون أنهم ما تقدموا إلا لصواب منهجهم.
الفئة الثالثة: هم من بعض منتهجي الأفكار الماركسية والقومية، الذين يشكلون قوام الأحزاب اليسارية، وهؤلاء لهم ثارات طويلة مع الإخوان المسلمين في الساحة السياسية، بسبب التنافس بين الطرفين على اقتناص أصوات الناخبين، والتي ينال الإسلاميون منها عادة حصة الأسد.
وبطبيعة الحال ففي حال قيام دولة إسلامية، فلن تكون لهم أدنى فرصة، لذلك لن يسعدهم قيامها، حتى لو حققت وحدة الأمة العربية التي يسعون لها، بل أوصلتهم خشيتهم من مجرد تسلم الإسلاميين السلطة بعد ثورات الشعوب على أنظمتها، الى الهبوط الى ما دون الحد الأدنى من الحس الوطني والقومي، عندما أيدوا هذه الأنظمة على قمع شعوبها ووأد ثورتها، رغم أنهم كانوا يطالبون بالثورة عليها أصلا، كما انزلقوا الى منزلق الأنظمة ذاتها في تأييد الحرب الأمريكية على الإرهاب، اعتقادا منهم أنها ستبيد خصومهم الإسلاميين.
هذه الفئات الثلاث أسقط في يدها إثر هذه العملية البطولية، فسقوط الهالة التضخيمية لقوة العدو أثبت عجزهم وتخاذلهم، كما أخرست حماسة الأمة ألسنتهم الدساسة.
لذلك رأينا الصمت المطبق من هؤلاء، فنصر المقاومة الإسلامية أربكهم، ولم يجدوا ما يلومونهم فيه.