الإنسان المتخلف في القاع الاجتماعي والاقتصادي يحس بقلق وجودي مرده ظروفه البائسة والهوة السحيقة التي تفصله عن المرفهين والنخبة التي يراها في المناسبات وعلى شاشات التلفزة، حياته على كف عفريت، يمكن في أي لحظة أن تتحطم الى أشلاء، يحس بالعجز والمهانة وقلقه يتحول تدريجيا الى غضب.
يحتاج لعدو يفرغ فيه الطاقة الهائلة من التي تغلي بداخله، السلطات أقوى منه وقادرة على سحقه في غمضة عين، فلا يجد امامه سوى جاره الذي يقاسمه البؤس فيحمله كل الآلام الذي يعيشها والخيبات التي يعانيها، ويفسر كل مصائب الدنيا بأنها من تخطيطه وتآمره.
الإحساس بالمهانة وتردي الواقع يعالج بالتمسك بالماضي المجيد المتخيل، بأمجاد القبيلة التي تعانق السماوات في رأيه، فيجد نفسه ذائبا فيها، يتمنى أن يعيد المجد التليد والبطولات التي ملأت العجائز بها عقله الصغير، لترجع الأيام الجميلة عندما كانت قبيلته مهابة الجانب علمائها منارات علم وفرسانها مغاوير الوغى كما في الحكايا التي تربى عليها.
عند ابسط احتكاك تشتعل نيران الفتنة، فيتاح لأدنى الناس مرتبة أن يتحول لفارس مغوار يستولي على ناقة ضالة أو يشج رجلا من القبيلة العدوة بحجر او يحر…ق كوخا لجار ويسجل الصوتيات للحث على القت….ال والدعوة لإيقاف الأعداء عند حدودهم فيحس نفسه يحلق في سماء المجد ويتحول إلى مركز اهتمام يسأل عنه أبناء عمومته الذين لا يراهم الا في المناسبات من عزاء وحملات بوصفه احد الصامدين في خطوط الجبهة الأمامية لمواجهة القبيلة الجارة.
المأساة ان الأمر قد يصل لإزهاق الأرو..اح، في سجوننا الكثير من الق….تلة خسروا كل شيء لأسباب من هذا النوع بينهم من عرفت شخصيا وجمعتنا عشرة طيبة بين اسوار السجن من المحكومين بالإعد….ام، لا تسأل عنهم قبائلهم ولا أسرهم وليس أمامهم الا انتظار م…وت بطيء على مدى عشرات السنين دفعتهم له لحظة طيش تغذيها جاهلية منفلته من كل منطق.
هنا توجد قبيلة واحدة هي الوطن، للفروسية ميدان لا ثاني له، الانتساب للقوات المسلحة لمن يبحث عن الرجولة ويزهد في الراحة والترف ويطمح لحماية الثغور ويطرب للعلعة الرصاص، أما من يريد العلم النافع فأمامه المدرسة الجمهورية تفتح له ابواب المعارف ليكون طبيبا تشفي يده الأمراض او مهندسا يبني الجسور والعمارات أو قاضيا مهابا يحكم بالعدل.
كل ما عدا هذا خيال وأوهام يحركها الجهل ويغديها التخلف ونهايتها سراب يحسبه الظمآن ماء.