الرئيسة النانه منت شيخنا تكتب

كتبت الرئيسة النانة شيخنا محمد لغظف

منذ أسابيع، تضج الفضاءات الإلكترونية بسيول جارفة من الخطاب المشين والإهانات السافرة، حيث تُكال تُهَم العنصرية والخيانة وقلة الوطنية جزافًا، وتتردّد الشتائم البذيئة بأقذع العبارات وأحطّها.

وإنه لواجب علينا أن نرفع صوت الاستنكار عاليًا، وأن ندين هذه الممارسات المنحطة بكل قوة وحزم.

 

غير أنني أرى أن التشرذم المتسارع الذي ينهش نسيجنا الاجتماعي لا ينبع من فراغ، بل يعود إلى جذور ضاربة في عمق تاريخنا المديد، وإلى سياسات الحكومات المتعاقبة التي، بعضها اقترف أخطاءً جسيمة، وبعضها الآخر آثر الجمود والتغاضي، إن لم يكن التواطؤ مع هذا المسار الكارثي.

 

إن حكومة تحترم نفسها وتعي مسؤولياتها، مطالبة بأن تجتثّ بواعث الحقد من جذورها عبر قرارات شجاعة، مؤسسة على الإصغاء العميق والحوار الجاد والتوافق البناء، في سبيل خلق مناخ مواتٍ لترسيخ الوحدة الوطنية.

ولا يتعارض ذلك أبدًا مع ضرورة التصدي، بحزم لا يلين، لكل دعوة إلى الفتنة والتفتيت والعنف، وفق مقتضيات القانون.

 

غير أن الواقع الذي نعيشه اليوم، لا يختلف عن ماضي الأمس، حيث تعيد الدولة بعث العصبيات القبلية بما تحمله من ظلم داخلي، وتجعل منها سلّمًا للارتقاء، على حساب الكفاءة والعلم والخبرة، حتى غدت هذه العصبيات كأنها كيانات موازية، تنازع المؤسسات الرسمية شرعية القرار وتتناحر فيما بينها.

 

وفي ظل هذا المشهد العبثي، تتعرض المكونات الوطنية للإقصاء والتهميش، سواء في دواليب الإدارة أو في قسمة الثروة الوطنية، رغم أن هذه القسمة، في جوهرها، جائرة في حق الجميع.

وإزاء هذا التمييز الفج، يتفاقم الشعور بالمرارة والإقصاء، وتتغذى الخطابات المشبعة بالحقد والكراهية.

 

وقد علمنا التاريخ أن العنف الاجتماعي لم يولد يومًا إلا من رحم العنف اللفظي، وهذا ما نشهده اليوم بأمّ أعيننا.

 

لهذا، وجب أن يُرفع الصوت عاليًا: كفى.

لا يحق لأحد أن يهين أخاه الإنسان، أو أن يقذفه زورًا دون أن يخضع لحكم القانون وعدله.

وفي المقابل، لا يجوز لأي عاقل أن يرضى بإدامة الإقصاء واليأس، أو أن يتغاضى عن مخاطرهما الداهمة.

 

ويجب أن نقولها بلا مواربة ولا تلعثم:

إن لم تُعالج هذه الأوضاع المزرية معالجة جذرية، وإن لم تُتخذ قرارات شجاعة وجامعة، فلن يكون بمقدور أحد أن يتفادى الانزلاق نحو الهاوية.

 

إن الخروج من هذا المستنقع يتطلب إرادة سياسية صادقة، ونهجًا منفتحًا، وقرارات توافقية شجاعة تضع الوطن فوق كل اعتبار، وتعيد بناء مشروع وطني جامع يليق بتطلعات الأجيال.

 

أما تلكؤ الحكومات المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحالية، فلا ينم إلا عن رضى خفي بالركون إلى واقع مأزوم ينذر بالخطر الداهم.

حفظ الله موريتانيا، وصانها من كل سوء ومكروه.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *